اختطاف جرحى وجثامين متوفين على أيدي أجهزة أمنية - بزي مدني أو عسكري أو بلاطجة- ظاهرة متكررة وممنهجة، ومصير كثير من هؤلاء المختطفين ما يزال غامضا، سواء كان أماكن تواجدهم أو معرفة أهم أحياء أو أموات.
في الأسبوع الماضي أكد حقوقيون دفن ثمان جثث لشهداء جهزت جثامينهم في أحد المستشفيات الحكومية الكبيرة في أمانة العاصمة وأخرجت في وقت متأخر من الليل جثتين لكي لا تلفت الأنظار ودفنت ولكن لم يعرف بعد أسماؤهم وفي أي مقبرة دفنوا. وهذا مؤشر خطر أن تقدم الأجهزة الأمنية على هكذا سلوك دون أن تخطر ذوي المتوفين او المعتقلين خاصة والجرحى يمنعون من تلقي العلاج ويتعرضون للتعذيب والضرب المبرح.
مخفيون قسريا
محمد يحيى صالح الخياطي (20 عاما) من محافظة المحويت، مفقود منذ 28 مارس الماضي يعمل في محل بهارات في منطقة مذبح بأمانة العاصمة، وما يزال المحل مغلقا منذ أن فقد منذ ذلك التاريخ إلى اليوم.
حمزة العواضي (صديق محمد) يؤكد أنه لم يشاهد محمد منذ أن خرج من ساحة التغيير في مساء الاثنين في 28 مارس ولم يعرف عنه شيئا، أو مكان تواجده أو إن كان حيا أو ميتا.
ومحمد الخياطي واحد من عشرات المختطفين الذين يختطفون أثناء خروجهم من ساحة التغيير في جامعة صنعاء، غير الذين يختطفون في المسيرات وهم يسعفون الجرحى أو مصابين نتيجة الرصاص الحي أو الغاز السام.
أما إبراهيم حمود الدالي فقد ذكر في بلاغ له لمنظمة (هود) أن أخاه علي حمود (21 عاما) مفقود منذ مجزرة كنتاكي التي وقعت يوم السبت الموافق التاسع من ابريل الحالي وعلي مختطف مع دراجته النارية. ويشير إبراهيم أن علي موجود في الأمن المركزي. أساليب قذرة لم يعرف لها التأريخ مثالا، أن يعتقل أبرياء ويخفون قسريا عن ذويهم لا يعرفون عنهم شيئا.
المصادر أكدت لمنظمة (هود) أن عشرات المعتقلين في مذبحة كنتاكي اختطفوا إلى الأمن المركزي وذكر أحد المختطفين المفرج عنهم انه كان في عنبر يتواجد به قرابة الستين معتقلا.
أما خالد منصر الضبيبي (33 عاما) فقد خرج ضمن المسيرة السلمية في يوم الثلاثاء الموافق 19 ابريل الحالي ولم يعد ولم يجده رفيقه ياسر - تقدم ببلاغ عنه إلى منظمة (هود) - بين الجرحى في المستشفى الميداني وقد سألوا عنه في جميع المستشفيات، ولا يعرف عنه شيئا حتى الآن.
مصادر حقوقية تقدر عدد المختطفين من ساحة الاعتصام في أمانة العاصمة وحدها ما يقارب 500 مختطف، وأماكن تواجدهم ما يزال غامضا ومصيرهم مجهولا.
عبد اللطيف أحمد يحيى هو الآخر كان ضمن مسيرة الثلاثاء أمام وزارة الخارجية في شارع الستين الغربي ولم يعد إلى ساحة التعيير ولم يجده أصحابه في المستشفى الميداني ولم يعد حتى الآن ولم تصلهم عنه أية معلومات.
المصادر تذكر أن عديد مختطفين من قبل الأجهزة الأمنية وهذه الأجهزة تضع بعضهم في معسكراتها وآخرين في أقسام شرطة وفي سجن البحث الجنائي وآخرين في منازل لأشخاص تابعين لهذه الأجهزة كما وصف هذه الأماكن أشخاص أفرج عنهم.كما تذكر المصادر أن معتقلين متواجدين في بعض الأقسام منها قسم علاية وقسم حدة.
غياب الصليب الأحمر
المحامي عبد الرحمن برمان، من منظمة (هود) أعاد قلة المعلومات عن هؤلاء المختطفين إلى أن الأجهزة الأمنية لا تسمح للمنظمات المحلية والناشطين بالدخول إلى المعتقلات السرية التي يوضع بها هؤلاء المعتقلون، ولا تقيم وزنا لهذه الجهات، والذي يستطيع الدخول إلى هذه المعسكرات والمعتقلات هو الصليب الأحمر الدولي ونشاط هذه المنظمة الدولية ما يزال ضعيفا في اليمن رغم تقديم ثلاث مناشدات له للبحث والمساعدة في الكشف عن المعتقلين والمصابين والقتلى.
وذكر برمان في تصريح لـ"الصحوة نت" أن عمليات قتل للجرحى مورست من قبل أجهزة أمن ومن هذه الممارسات ما ذكره أحد شهود العيان أن أجهزة الأمن قتلت أحد المصابين بالغاز أمام عينيه وانه منع من إسعافه واعتدي عليه بالهراوات، ونتيجة هذه الحادثة أصيب بحالة نفسية.
ويضيف برمان: قتل الجرحى موجود ولم نسمع من قبل أن أحدا قتل الجرحى، وهو مخالف للاتفاقيات الدولية، فالجريح يحتاج إلى الرعاية حتى من العدو ولابد أن يتلقى الدواء إلا في بلادنا نجد أن الحرس الجمهوري أقدم على اعتقال الكوادر الطبية حيث اعتقل أربع طبيبات ثم أفرج عنهن فيما بعد، وسيارة الإسعاف ما تزال مختطفة لديه. وأشار إلى أن المعلومات عن أماكن هؤلاء المختطفين قليلة جدا لأنهم يضعونهم في أماكن سرية، حيث يقوم الخاطفون بالربط على أعين المخطوفين، ثم يتوهونهم في أمانة العاصمة لمدة ساعتين لكي لا يعرفون أماكن هذه المعتقلات أو يستطيعون وصف أماكن تواجدها، ثم ينزلونهم تحت الأرض كما وصف ذلك أحد المعتقلين.
وحسب إفادة بعض المعتقلين قال برمان إن أحد العنابر أدخل فيها 60 شابا وهذا العنبر مزدحم وظل المعتقلون فيه 15 يوما لم يستطيعوا أن يدخلوا الحمام وإنما يعطونهم كيسا للبراز والبول، أما عن الطعام فهي وجبة أرز أشبه بالني، فيظل المعتقلون جائعين.
استهداف المسعفين
يركز الأمن والبلاطجة على مسعفي الجرحى وعلى منع سيارات الإسعاف ويتعمدون أن يترك الجريح ينزف حتى يفارق الحياة، إن لم يجهزوا عليه، وحتى الجرحى الذين يعتقلون لا يسمح لهم بتلقي العلاج أو الإسعاف إلى مستشفيات، بل يعاملون بوحشية ويتعرضون للضرب والتعذيب.
ومن هذه الممارسات غير الإنسانية أنقل شهادة أحد الأشخاص الذي تعرض للضرب والاعتقال، يقول شعيب عقيل الذبحاني في شهادته التي أدلى بها لمنظمة ( هود ) إنه كان متواجدا في جولة الجامعة القديمة وكان ينقذ المصابين الذين كانوا بجواره يقوم بإعطائهم البصل والرش عليهم بالببسي. ويضيف شعيب: اعتقلت من ذلك المكان، وكان في ظهري رشة ( رنج أبيض)- لم يكن يعلم بها- وذلك دليل- حسب كلام شعيب- لإكثار الضرب على من بهم هذه العلامات، حيث أخذ إلى فوق الطقم ثم بدأ الأفراد يسألونه: هل أنت من جماعة الحوثي؟ أو من القاعدة؟ ومن الذي أتى بك إلى هنا؟ وبكم يرشونكم في اليوم الواحد هل هي 500$؟.
شعيب أكد تعرضه للضرب هو وشخص آخر كان بجواره ضربوا بالهروات والمسدسات، وأخذ من شعيب بحسب إفادته محفظته وبداخلها بطاقته الشخصية الأصل وصورة البطاقة طبق الأصل، وبطاقة وظيفية يستلم بها الراتب من أحد البنوك. وأضاف أخذونا إلى الأمن السياسي وحققوا معنا ثم نقلنا إلى قسم 45، وقد جاء والدي يسأل عني! وقالوا له مش موجود وكان معهم شاب آخر في السجن وهو من محافظة حجة كان ظهره- حسب شهادة شعيب- مكسور وأسنانه مكسورة من الضرب وجلس مطروح على الأرض ليومين.
هذه شهادة أشخاص تعرضوا للاعتقال والضرب والتعذيب، يقشعر منها البدن لوحشيتها كونها صادرة من أجهزة أمنية تتلقى رواتبها من أموال الشعب ووظيفتها حماية الشعب لا تسمح أن يتعرض المواطنون للاعتداء الجسدي والمعنوي وتقوم بحماية حريته وحقوقه من الانتهاك لا أن تمارس هذه الانتهاكات بنفسها ضد معتصمين عزل يطالبون بحق عام مكفول لهم حسب الدستور والقانون ومن أجل هذا الحق قامت ثورة سبتمبر وأكتوبر وتوحد الشمال والجنوب على هذا الأساس، الحرية والديمقراطية والتعددية السياسية.
هناك تساؤلات عدة عن الهدف من سعي الأجهزة الأمنية إلى اختطاف واعتقال عدد كبير من هؤلاء المعتصمين، ونود أن نشير هنا إلى أن عددا من الأهداف يسعى النظام لتحقيقها من خلال تعامل أجهزة الأمن مع الجرحى واعتقال أكبر عدد ممكن من هؤلاء المعتصمين، وأول هذه الأهداف هو إرعاب المعتصمين وبث الخوف في نفوسهم، علهم أن يخافوا من هذه الممارسات العنيفة فيعودوا إلى منازلهم، ولكن النتيجة أن ساحات التغيير والحرية شنقت الخوف ولم يعد له مكان في نفوس هؤلاء الأحرار والثوار ذكورا واناثا.
والثاني هو تعمد إخفاء مجازر النظام الممنهج في قتل المعتصمين والجرحى، لكي يقللوا من عدد الضحايا وإنكار الوقائع ويصورنها على أنها من مبالغات الإعلام وهو ما يطرحه الإعلام الرسمي والحزبي التابع لنظام صالح، ناهيك عن محاولة إخفاء الجريمة للإفلات من العقاب.
ومن الأهداف كذلك سعي الأجهزة الأمنية للحصول على معلومات تخدم أهدافه في قمع الثورة والعمل على تشظيها خاصة وهو يراهن على مكاسب من هذا القبيل.
ولا يخفى أن الأجهزة الأمنية تسعى لتوظيف هؤلاء المعتقلين كمتعاونين مع الأجهزة الأمنية بعد خروجهم وعودتهم إلى ساحات التغيير سواء في توفير المعلومات أو افتعال المشاكل داخل الساحات وافتعال الأزمات لإفشال الثورة. ولكن هؤلاء الثوار كانوا أكبر مما كان يتوقعه النظام وأجهزته فهم يقابلون هذه المطالب بالرفض المطلق كما يفيد بعض الشباب الذين أطلق سراحهم من هذه المعتقلات، وهو ما يؤكد أن مخططات هذه الأجهزة تراهن على سراب وعدمية. وأن الثورة ماضية في تحقيق أهدافها النبيلة لرفع الظلم والقهر والمعاناة عن الشعب اليمني الذي لم ينل حقوقه رغم قيام ثورتين وتوحد شماله وجنوبه.