الرومانسية هى ذوبان العقل والروح والنفس والقلب فى الطبيعة الخلابة , هذا مع ما تحمله النفس من جراح ويأس ملازم ,
إن الرومانسية يمكن تسخيرها فى كل أغراض الشعر ,
فمن الشعراء الرومانسيين من كتبوا فى غير الغزل , فمنهم من كتب عن جرح الوطن , ومن من كتب عن جراح الأمة العربية ,
ومنهم من كتب فى التصوف والزهد , ومنهم من كتب قصائد دينية , وهكذا .
فالرومانسية هى ذوبان الشاعر قلباً وقالباً فى الطبيعة مع ما يحمله قلبه من مشاعر , سواء كانت مشاعره سعيدة أو حزينة, وأن يسخر لون الطبيعة وصوتها وحركتها,
فقد يكون لون الطبيعة أرجوانى فى غروب النهار وغروب يحتوى نفس الشاعر , وقد يكون لون الطبيعة أبيض كشروق الشمس وشروق يدب فى نفس الشاعر ,
وقد يكون صوت الطبيعة هو أغاريد البلابل وتغريد الشاعر معها بعواطفه السعيدة , وقد يكون صوت الطبيعة فى الرعد الذى يزلزل الارض وأيضا ً الشاعر ,
وقد يكون تحرك الطبيعة فى تحرك الاشجار بفعل نسيم طيب وتحرك مشاعر الشاعر بلحظات تشبة تحرك الاشجار ورقص النخيل وطيران الطيور ,
وقد يكون تحرك الطبيعة فى البراكين والزلازل , وأيضا ً تحرك قلب الشاعر بالجراح والنيران ,
من هنا فكل شاعر رومانسى يحمل تجربته ويذوب فى الطبيعة على ما يراها , فقد يسمع صوتها صوت البلابل , وقد يسمع صوتها فى الرعد ,
قد يرى نورها فى شروق الشمس , وقد يرى نارها فى البراكين ,
وقد يحس بحركتها فى الجداول وطيران الطير , وقد يحس بحركتها فى الزلازل البراكين والكوارث .
فلنرى الطبيعة فى عين وقلب الشاعر جواد جميل ولنرى جراحه,
ولنسمع الطبيعة بأذن الشاعر نفسه , ونحس بحركتها بأحسيسه الجياشة وهو يعتصر ألما ً على حال الأمة العربية .
مرثية الجرح العربى , للشاعر العراقى جواد جميل
من دم مطفأ يجىء النهار
فاحتضار البركان ومض ونارُ
وبحضن الجراح يختبىء
الطوفان طفلاً , ويولد الإعصارُ
ليس موتا ً هذى الدماء
فللجرح غموض تلفه الأسرارُ
يتبع الخصب خطوه أينما
مر , وتمشى وراءه الأنهارُ
فإذا اليأس رغبة , وانهيار
الروح رفض , وخوفنا إصرارُ
ها هو الجرح يفتح الزمن
المغلق فينا , فتسقط الأسوارُ
حملت لونك المرافىء والموج
فأنت الشراع والبحار ُ
وارتوت دفئك الينابيع
واشتاقك رمل مُعذب وقفارُ
وارتديت الربيع , فاستغفر الماء
ابتهالا ً وصلت الأشجارُ
ورميت عندك القوافل أجراسا ً
وألقت أتعابها الأسفارُ
أنت فاجأت موتنا فأفقنا
بعد أن فل نبضنا الإحتضارُ
سترانا نطوى على القيد
أضلاعا ً برتها زنزانة وجدارُ
يادم القدس , يالظى الزمن
الآخر ,أنت المدى, وأنت المسيارُ
اكتشف صبحنا , فكل مساء
يصلب الأنباء والثوارُ
للشراع الغريق نرفو أمانينا
وقد أطفأ العيون الدوارُ
ونسمى الرماد ماء ليصحو
نورس متعب, وأرض بوارُ
ونقول : السماء أبعادنا الأخرى
إذا ضاق ى التراب المدارُ
آن للجرح أن يرى فى طقوس
الموت دمعاً هدوءه تيارُ
آن ’ ولكن وراء أحداقنا
يرقد ذل مشوه وانكسار ُ
والشفاه الخرساء إن عزفت
لحن التحدى , تهشم المزمارُ !